نشر موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان تعليق مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية الأستاذ ليو تشونغ مين تحت عنوان: ((السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في مأزق محرج)) يوم الثلاثاء الموافق 24 نوفمبر عام 2015. فيما يلي النص الكامل للتعليق:
السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في مأزق محرج ليو تشونغ مين
شرع وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري بداية من 22 نوفمبر الجاري، في زيارة إلى الشرق الأوسط ، ستركز على أعمال العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتنظيم داعش والصراع السوري وغيرها من القضايا. وتثير زيارة كيري إلى الشرق الأوسط في هذا الوقت بالذات إهتمام وتخمينات الأوساط الخارجية. كما تشغل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط المراقبين في الوقت الذي يغرق فيه الشرق الأوسط داخل الفوضى، وقد إتهم الكاتب السياسي المشهور، نعوم تشومسكي قبل فترة الولايات المتحدة بتعمد صناعة ثقب أسود في الشرق الأوسط.
منذ تولي أوباما السلطة في الولايات المتحدة، إعتمدت الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط على التراجع الإستراتيجي وتجنب الحرب، وقد تجسد ذلك أساسا في حذرها من من ضرب تنظيم داعش الإرهابي وصبرها في دفع المحادثات النووية الإيرانية. لكن التدخل الروسي لضرب تنظيم داعش بداية من سبتمبر الماضي، أربك الحسابات الأمريكية. وبعد تعرض باريس لهجمات إرهابية، أصبح مأزق إستراتيجية أومابا في الشرق الأوسط أكثر إحراجا، ويمكن تلخيص المعضلة الأمريكية المتمثلة في التعارض بين رغبتها في المحافظة على هيمنتها على الشرق الأوسط وتراجع قوتها ومحدودية وسائلها في النقاط الثلاثة التالية.
أولا، التضارب بين التراجع الإستراتيجي الأمريكي والإضطرابات في الشرق الأوسط. منذ بدء الإضطرابات في الشرق الأوسط، ظلت المنطقة تعاني مشاكل الإنتقال السياسي، وتفشي الإرهاب، وتغير موازين القوى والتحالفات، وتعديلات دول المنطقة على إستراتيجياتها الداخلية والخارجية، وفي ظل التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط، لم يعد الجهد الأمريكي يكفي إلا للقضايا القديمة، مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والملف النووي الإيراني والإنسحاب العسكري من العراق وأفغانستان، وخاصة معالجة المخلفات التي تركتها سياسات جورج بوش، في الوقت الذي لم تمتلك في الإدارة الأمريكية رؤية واضحة للمشاكل الجديدة، مادفعها إلى التعامل السلبي معها.
وعلى مستوى مشاكل المنطقة، لم تتوصل أمريكا إلى تحقيق توازن قوى بين الأطراف الأربعة الرئيسية في الشرق الأوسط، العرب، تركيا، إيران، إسرائيل وبين قيادتها للعالم العربي. وقد تفطنت روسيا، لنقطة ضعف الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وتدخلت في الأزمة السورية.
ثانيا، التضارب بين إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط والعديد من الأهداف الهامة، بمافي ذلك، دبلوماسية القيم الأمريكية والدبلوماسية النفعية والواقعية. رغم التراجع الأمريكي الملحوظ من الشرق الأوسط، لكن الأهداف الأمريكية في السيطرة على الشرق الأوسط لم تتغير. في ذات الوقت، تعيش السياسات الأمريكية في هذه المنطقة، تنقاضات بين حماية الحلفاء الأمنيين، والمحافظة على الأمن الطاقي، وتصدير الديمقراطية، ومقاومة الإرهاب، والمحافظة على الهيمنة، وهو ما يدفع الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط للغرق في هذا المأزق.
ثالثا، أزمة الحلفاء الإستراتيجيين لأمريكا في الشرق الأوسط. كانت سياسة الحلفاء الإستراتيجيين وسيلة تعتمدها أمريكا منذ وقت طويل للمحافظة على هيمنتها في الشرق الأوسط، لكنها كانت في ذات الوقت عبء ثقيل لاستراتيجية الولايات المتحدة في المنقطة وتدفعها بإستمرار إلى إجراء توازن بين تكوين وإستغلال وطمأنة الحلفاء والتخلي عنهم. وفي الوقت الحالي، يعد تغير علاقات التحالف بين أمريكا ومصر، مثالا يعكس أزمة التحالفات الإستراتيجية الأمريكية.
عملت أمريكا أثناء الحرب الباردة، على تحويل مصر إلى حليف إستراتيجي، في إطارسياسات ضمان أمن إسرائيل وإحتواء الإتحاد السوفيتي.
لكن، خلال الربيع العربي، أقدمت أمريكا على التخلي عن حليفها الإستراتيجي، حسني مبارك، في إطار تأقلمها من حاجتها لتصدير الديمقراطية، لكن لاحقا، نظرا لعدم إرتياحها لصعود الإخوان المسلمين إلى الحكم، تغاضت عن الإنقلاب العسكري الذي قام به الجيش للإطاحة بمحمد مرسي، وهو ما أثار إنتقادات كبيرة داخل مصر والعالم العربي، ومن ثم، وجدت أمريكا نفسها منبوذة مجددا.
المصدر: موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان