نشر موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان تعليق الأستاذ ليو تشونغ مين بمدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية تحت عنوان: ((من الخطأ إختزال قضايا الشرق الأوسط في الصراع الطائفي)) يوم الأربعاء الموافق 22إبريلعام 2015. فيما يلي النص الكامل للتعليق:
من الخطأ إختزال قضايا الشرق الأوسط في الصراع الطائفي
أصبحت العوامل الطائفية أكثر فأكثر بروزا في سياسة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، ما شكل إتجاها داخل الرأي العام الدولي والدراسات الأكاديمية لوصف الظاهرة بالخلاف الطائفي. هذا الرأي العام الذي ينطوي على دلالات سياسية عميقة، يهيمن خاصة على خطاب وسائل الإعلام الشرق أوسطية والغربية، كما أخذ هذا المنحى في الظهور داخل خطاب وسائل الإعلام والدراسات الأكاديمية الصينية، ومداه يشهد توسعا بإستمرار. حيث شكل الخلاف الطائفي قانونا لايُعلى عليه في فهم قضايا الشرق الأوسط، وهذا التوجه يظهر بشكل أبرز في فهم وقراءة القضية السورية، العراقية واليمنية في الوقت الحالي كذلك. وإن هذا الإتجاه تشوبه عيوب كبيرة على المستوى الأكاديمي وعلى مستوى السياسات، ويمكن القول إنه في غير صالح إدعاء ودعاية سياسات الصين تجاه الشرق الأوسط.
أولا، على المستوى الأكاديمي، تعاني نظرية الخلاف الطائفي الأحادية، من قصور على مستوى المعرفة، يتمثل في النظر إلى الظاهرة فحسب دون النظر إلى طبيعتها، وهذا لا يساعد في فهم الجذور التاريخية والواقعية الكامنة في خلفية الصراع الطائفي.
تعتري معرفة أوساط الرأي العام للخلاف الطائفي شُبهة التبسيط، بما يوحي بوجود تلازمية بين التعدد الطائفي والخلاف الطائفي في الشرق الأوسط. لكن، في الحقيقة، إن الخلاف الطائفي في مختلف دول الشرق الأوسط ليس ضرورة فطرية. إذ على مر التاريخ الطويل ظل السنّة والشيعة في غالبية الحالات في إنسجام وتعايش، أما الخلاف الطائفي الذي برز في الوقت الراهن، فهو نتاج للعديد من الخلافات التي ظلت تتراكم لوقت طويل.
بالنظر من العوامل الخارجية خلال التاريخ الحديث، ساهمت سياسة فرق تسد الإستعمارية في تأجيج الخلاف الطائفي. حيث تجاهلت إتفاقية سايكس بيكو التي وقعتها بريطانيا وفرنسا في عام 1916 الخلفيات العرقية والدينية وغيرها من العوامل الإنسانية والجغرافية في الشرق الأوسط، وقامت بتقسيم العرب، الأكراد والأتراك إلى دولا مختلفة بين سنة وشيعة، وقامت بتوزيع السلط وفقا للتركيبة الطائفية، ما أدى إلى تعقيد البنية العرقية والطائفية في العراق، سوريا ولبنان وغيرها من الدول. كما قامت بريطانيا وفرنسا بتعميق بنية السلطة الطائفية خلال فترة الإنتداب.
أما بالنظر من العوامل الداخلية، فنجد علاقة قوية بين تراكم الخلافات الطائفية وبين بنية الدولة القومية بعد إستقلال دول الشرق الأوسط، وتوزيع السلط السياسية والثروات الإقتصادية والسياسات الإجتماعية وغيرها من المشاكل. ومع ذلك، ظل هناك تعايش بين غالبية الطوائف خلال فترة طويلة بعد نهاية الحرب العاملية الثانية، كما دعت العديد من الشخصيات السنية والشيعية إلى التناغم بين الطوائف. لذا، يمكن القول، إن الخلاف الطائفي ليس إلا واجهة للخلافات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وليس طبيعة أو جذور المشكلة.
ثانيا، إن الخلاف الطائفي هو خطاب سياسي تعمل أمريكا وبعض دول الشرق الأوسط على بنائه لخدمة سياساتهم الخاصة.
بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، عملت إيران على تصدير الثورة، ما دفع السنة في السعودية وباقي دول الخليج للإنتباه إلى العلاقات بين الطوائف في صياغة البنية الإقليمية. وفي ظل تصاعد مشاعر القلق من توسع النفوذ الشيعي بعد حرب العراق 2003، طرحت السعودية والأردن وغيرها من الدول مفهوم الهلال الشيعي.أما أمريكا فظلت تصور الخلاف بين حلفائها ومناهضيها على أنه خلاف طائفي. في هذا الصدد، أشار بعض الأكاديميين الأمرييكيين الواعين، خلال السنوات الأخيرة إلى ان تضخيم الخلاف الطائفي في العالم الإسلامي، يعكس الإستراتيجية الغربية في إستغلال التناقضات الطائفية في بناء حلف مناهض لإيران في المنطقة.
منذ إندلاع الإضطرابات في الشرق الأوسط خلال الأعوام الأخيرة، ظل الرأي العام يضخم حجم النفوذ الإيراني في المنطقة، يؤكد على إيران تدعم شيعة سوريا والبحرين واليمن. لكن إلى حد الآن ليس هناك دليل مباشر على الدعم الإيراني لشيعة البحرين واليمن، أما التحالف بين إيران وسوريا، فلم ينبني على أسس طائفية، لأن هناك إختلاف كبير بين البلدين على مستوى النظام السياسي والإيديولوجيا، حيث تمارس إيران نظاما إسلاميا شيعيا، في حين تمارس سوريا نظاما علمانيا قوميا بقيادة حزب البعث، رغم أن العلويين يمثلون الطائفة الحاكمة. لذا، فإن تبريز الباحثين الصينين ووسائل الإعلام الصينية بشكل أعمى على الخلاف الطائفي، سيؤدي إلى إنزلاقهم نحو منظومة الخطاب الطائفي التي يتبناها الغرب ودول الشرق الأوسط، ومن ثم سيؤدي إلى إخطاء الحكم على طبيعة قضايا الشرق الأوسط.
أخيرا، إن المبالغة في التبريز على الخلاف والصراع الطائفي، ليس في مصلحة إدعاء ودعاية سياسات الصين تجاه الشرق الأوسط. مثلا، حينما إستعملت الصين حق النقض 3 مرات في القضية السورية، قرأت بعض أوساط الرأي العام العربية ذلك على أنه دعم صيني للشيعة، ما مثل سوء فهم كبيرا للسياسة الخارجية الصينية. فالسياسات الصينية لا تنطلق من منطلق طائفي، وإنما من معارضة التدخل العسكري والدعوة إلى الحل السياسي. أما إذا بالغت بعض أوساط الرأي العام في الصين في الحديث عن الخلاف الطائفي، فلا شك أن ذلك سيتسبب في إساءة فهم الأوساط الأجنبية لدراسات الشرق الأوسط في الصين ولسياسات الصين تجاه هذه المنطقة.
على ضوء ذلك، نجد أن الأوساط الأكاديمية وأوساط الرأي العام في الصين، في حاجة إلى التمسك بالوقائع التاريخية والموضوعية على مستوى الأبحاث والتحلي بالفطنة على مستوى الرأي العام والدعاية، أثناء التعاطي مع القضايا الطائفية في الشرق الأوسط.
المصدر: موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان