ليو تشونغ مين: المأزق الأمريكي في التعامل مع إيران وسوريا
مرة: 2012-02-28 وجهات النظر: 18
 

نشر موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان تعليق مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية الأستاذ ليو تشونغ مين تحت عنوان: ((المأزق الأمريكي في التعامل مع إيران وسوريا)) يوم الاثنين الموافق 27 فبراير عام 2012. فيما يلي النص الكامل للتعليق:

تعليق: المأزق الأمريكي في التعامل مع إيران وسوريا

في ظل إستمرار توتر الوضع السوري والإيراني، فإن أمريكا بصفتها القوة المهيمنة على العالم والمتحكمة في شؤون الشرق الأوسط، ستبقى سياستها العامل الأهم الذي سيحدد وجهة الوضع في سوريا و إيران، وسيقرر ما إذا كانت ستنشب حربا واسعة النطاق في الشرق الأوسط خلال العام 2012 أم لا. الولايات المتحدة نفسها لا تملك إلى حد الآن إجابة ناضجة عن هذا السؤال. لأنها يجب أن تحدد سياستها تجاه سوريا و إيران وفقا لإستراتيجيتها لما بعد تغيرات العالم العربي بل ووفقا لتعديلاتها على إستراتيجيتها العالمية.

منذ مدة طويلة، شكل الأمن القومي والمصالح الإقتصادية ونشر الديمقراطية، الأهداف الثلاثة الكبرى للإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، أما التناقض البنيوي الكبير في هذه الإستراتيجية فيتضح في التناقض الداخلي بين إستراتيجية الأحلاف الواقعية و بين إستراتيجية إصلاح الشرق الأوسط عبر الديمقراطية. ففي الفترة الأولى من بداية التغيرات التي شهدها الشرق الأوسط، كان رد فعل الإدارة الأمريكية سلبي ومضطرب، ومرد ذلك أن الولايات المتحدة تتفائل من زاوية النظر القيمية بإنطلاقة "الربيع العربي"، لكن من الجانب الأمني ينتابها الكثير من القلق بسبب إنهيار إستراتيجية الأحلاف، وهذا هو مركز المعضلة الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

إذا نظرنا من زاوبة الإستراتيجية العالمية لإدارة الرئيس باراك أوباما، فيمكننا أن نلاحظ أن الولايات المتحدة بصدد تنفيذ "إستراتيجية الإنتقال إلى الشرق" عبر الإنسحاب من العراق وأفغانستان وإجراء تقليص إستراتيجي في الشرق الأوسط، لتستخدمه في إستراتيجية الحد من النهوض الصيني، وهو ما يشكل أهم هدف في التعديل الإستراتيجي الأمريكي. ومن خلال نظرة شاملة على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال العام المنقضي، نكتشف أن التعديل الذي أجرته الولايات المتحدة على إستراتيجيتها في الشرق الأوسط يهدف إلى تجنب الغرق مرة أخرى في حرب شبيهة بحرب العراق، في الأثناء تهدف إلى المحافظة على توجيهها لشؤون الشرق الأوسط.

إجمالا، يمكن القول أن أهم ما يميز التعديل الذي أجرته أمريكا على إستراتيجيتها في الشرق الأوسط، هو إعتماد "نمط جديد في التدخل" كوسيلة لتوجيه شؤون منطقة الشرق الأوسط. لذا، فإن أمريكا من خلال تحكمها في الأمم المتحدة وحلف الناتو والعديد من الآليات الأخرى، ستطالب حلفائها الأوروبيين، بتحمل مسؤوليات أكبر في حماية الهيمنة الأمريكية في المنطقة. وهذا ما أسمته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون بـ "نمط التدخل الجديد"، وهذه الإستراتيجية تجسدت في الحالة الليبية.

ستحاول الإستراتيجية الأمريكية من خلال الإستعمال الشامل لـ "كل الوسائل الدبلوماسية والإقتصادية والإستراتيجية"، إعادة صياغة الهيمنة الأمريكية على شؤون الشرق الأوسط. وإستراتيجية أوباما في ليبيا رغم أنها تبدو ظاهريا تضر بالزعامة الأمريكية، إلا أنها في الحقيقة تناسب المصالح الإستراتيجية الأمريكية.

تفصيليا، تتجسد الإستراتيجية الأمريكية تجاه مختلف دول الشرق الأوسط في المستويات التالية.

أولا، تركز الإستراتيجية الأمريكية على دفع الليبرالية الإقتصادية والديمقراطية السياسة في الشرق الأوسط من خلال تونس و مصر. حيث ستعمل الولايات المتحدة على دفع التغيير الديمقراطي في تونس ومصر عبر المساعدات الإقتصادية وعدة وسائل أخرى، آملة في أن "ترسيا آليات ديمقراطية مراقبة وفاعلة عبر إنتخابات حرة ونزيهة ومجتمع مدني نشيط،، وتكونا نموذجا رياديا ومسؤول في المنطقة " وقد وعد الرئيس أوباما بشطب مليار دولار من الديون المصرية، وفي ذات الوقت، قدم ضمانات لمليار دولار لمصر من القروض الأمريكية. كما أكد على وضع " مبادرة الشراكة التجارية والإستثمارية" من خلال تأسيس "أصول المؤسسات". ودعم "الإنتقال الديمقراطي في الشرق الأوسط والتحديث الإقتصادي" عبر آليات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وقمة الثمانية إلخ.

ثانيا، مواصلة الضغط على سوريا و إيران، والسعي لتغيير نظامي البلدين من خلال مواصلة ممارسة الضغوط وقد أكد أوباما خلال خطابه دعمه لزيادة مستوى العقوبات المفروضة على سوريا، وطالب حكومة بشار إما بقيادة الإصلاح أو إفساح المجال للإصلاح، كما أكد "معارضته لممارسات إيران القمعية ،ومعارضة قيام إيران بمشاريع نووية خارجة عن القانون، و دعمها للأنشطة الإرهابية" إلى جانب دعمه لمطالب الشعب الإيراني في "نيل حقوقه الكونية".

في ظل تدهور الوضع السوري، واصلت الولايات المتحدة تصعيد ضغوطها على سوريا، لكن من الصعب بالنسبة لها أن تطبق السيناريو الليبي على سوريا. لذلك، إستعملت أساسا جامعة الدول العربية وتركيا والمعارضة السورية للضغط وتحقيق هدفها في الإطاحة ببشار الأسد.

أخيرا، اعتماد سياسة سلمية تجاه السعودية و البحرين، و الأردن، وبقية حلفائها في المنطقة وفي الأثناء تحثهم للمبادرة بالإصلاح. وقد قال أوباما بوضوح "البحرين هي حليف طويل المدى بالنسبة لنا، ونحن سنعمل على حماية أمنها. ونحن نعلم أن إيران تعمل على إستغلال الفوضى هناك، و نعرف أن الحكومة البحرينية لديها حق شرعي في حماية النظام "، لكن في نفس الوقت أكد على أن "المخرج الوحيد للحكومة البحرينية هو إجراء حوار بين الحكومة والمعارضة." في المقابل أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي للتدخل في الوضع البحريني. وهناك من المحللين من يرى بأن "الولايات المتحدة ستضع تأثيرها الدبلوماسي في يد الحكومة السعودية لإحتواء الإنتفاضة الديمقراطية في البحرين، لأن أمريكا تخشى بأن يصب أي تغيير ديمقراطي في البحرين في صالح إيران، ويؤثر على المصالح الأمريكية في منطقة الخليج. "

في الوقت الحالي و بينما يتجه الوضع في إيران وسوريا نحو مزيد من التوتر، يحاول الغرب المراوحة بين الضغوط الصلية والناعمة، غير مستبعدين إستعمال القوة للإطاحة بالنظام في سوريا و إيران، وبذلك إقتلاع آخر نظامين معارضيْن للغرب في منطقة الشرق الأوسط، لكن في ظل تراجع قوتها، تخشى الولايات المتحدة أن يغرق الشرق الأوسط في فوضى إقليمية تخرج عن سيطرتها، كما تخشى أن يؤثر تورطها في الشرق الأوسط على التعديل الإستراتيجي الذي قامت به في أسيا و المحيط الهادي. من جانب آخر، تعد كيفية التعامل مع صعود القوى الإسلامية أمرا مقلقا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. وكل هذه الأمور تعد الأسباب الرئيسية وراء الإضطراب الأمريكي تجاه القضية السورية والإيرانية و خاصة القضية الإيرانية.

المصدر: موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان