ليو تشونغ مين: الربيع العربي يتحول إلى مسرح للتجاذبات الجيوسياسية
مرة: 2012-03-09 وجهات النظر: 32
 

نشر موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان تعليق مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية الأستاذ ليو تشونغ مين تحت عنوان: ((الربيع العربي يتحول إلى مسرح للتجاذبات الجيوسياسية)) يوم الخميس الموافق الثامن مارس عام 2012. فيما يلي النص الكامل للتعليق:

الربيع العربي يتحول إلى مسرح للتجاذبات الجيوسياسية

بقلم/ ليو تشونغ مين، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الأجنبية بشنغهاي

منذ إنطلاق التغيرات التي شهدها العالم العربي منذ نهاية عام 2010، عمل الرأي العام الدولي و خاصة الإعلام الغربي على تصويرها "ثورة ديمقراطية" تقودها الجماهير و المعارضة، تهدف إلى الإطاحة بالأنظمة الحاكمة، و أطلق عليها إسم جميل هو "الربيع العربي". و رأى بأن هذه الثوارات بصدد وضع حد لما يسمى بـ"الإستثناء العربي"، وأن الشرق الأوسط لايناسب النمو الديمقراطي، وأن الربيع العربي يضاهي في معناه التاريخي إنهيار جدار برلين في عام 1990.

لكن، في ظل مأزق إعادة الإعمار السياسي و الإقتصادي، الذي تشهده كل من تونس و مصر و ليبيا، و دول أخرى،و طول عمر الأزمة السورية و الإيرانية، أصبح من الصعب تحقيق المطلبين الرئيسيين للربيع العربي المتمثلان في تنمية الديمقراطية و تحسين ظروف العيش. غير أنه في ظل جولس منطقة الشرق الأوسط على شفير الفوضى الإقليمية، و العنف الخارج عن السيطرة و الحروب التي تدق طبولها، فإن الإنتظارات الرومنسية للعالم من الربيع العربي قد تنتهي إلى طريق مسدود. من جانب آخر، قامت بعض الأطراف الفاعلة بتحويل الربيع العربي إلى مسرح للتجاذبات الجيوسياسية. و مهما تكن الخارطة الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط، فإن حصاد الربيع العربي لن يكون مثل بدايته الرومنسية.

أما أهم مؤشر على تحويل الربيع العربي إلى مسرح للتجاذب الجيوسياسي، فيصدره المرض الجيوستراتيجي المزمن الناجم عن التشرذم في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يهدد الربيع العربي بأن يصبح صراعا جيوسياسيا على شاكلة "قارورة جديدة لزيت قديم".

و رغم أن العرب يشتركون في اللغة و الدين و العرق، إلا أن التنوع الثقافي، و إختلاف المذاهب والأنظمة السياسية و التفاوت الإقتصادي جعل الإستعمار الغربي، يستعمل منطق "فرق تسد" لبسط نفوذه على المنطقة، الأمر الذي غذى روح الفرقة في المنطقة.

أما الجانب الأيديولوجي، فقد كانت مصر و العراق و سوريا وليبيا دول قومية، في حين كانت الدول الخليجية بزعامة المملكة العربية السعودية دول تتبع نظام الأسلمة، و كان بينهما صراع طويل على الزعامة.

و بعد تآكل الأنظمة القومية بداية من تحالف مصر مع الولايات المتحدة الذي أسفر عن إضمحلال الدور المصري في المنطقة، إلى إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، ثم إلى إنهيار مبارك و القذافي تماما في 2011، بقي النظام السوري بقيادة حزب البعث، النظام القومي الوحيد في المنطقة. و إذا نظرنا من هذه الزاوية إلى التدخل الخليجي بقيادة السعودية و قطر في ليبيا و سوريا فسنلاحظ بلاشك أن الهدف الرئيسي من هذا التدخل هو الإقتلاع النهائي لأنظمة الجمهوريات القومية، و بسط نفوذ الدول الملكية التي تعتمد نظام الأسلمة على كامل المنطقة العربية.

أما إذا نظرنا من زاوية الدين و الطوائف والقبائل، فإن الدول العربية تحتوي على خلافات بين المسلمين و غير المسلمين، و بين السنيين و الشيعيين. و هذا لن يؤثر على الصراع على السلطة داخل الدول العربية فحسب، بل ان الطوائف العابرة للدول ستؤثر على العلاقات بين الدول و المنطقة برمتها، (مثل: تأثير شيعة سوريا على شيعة لبنان)، إلى جانب ذلك، تحاول إيران بصفتها دولة شيعية التغلغل داخل الجسد العربي و تهديد وحدته عبر تصدير الثورة و التأثير على الشيعة العرب في (، سوريا و لبنان والعراق إلخ) و ربط الصراع الطائفي بالصراع بين العرب والفرس. هذا الصراع الطائفي و القومي نجمت عنه الحرب العراقية الإيرانية، وفي تلك الحرب كانت سوريا الدولة الوحيدة التي ساندت إيران، و فضلت حلفا طويل المدى معها.و لاشك أن هذا قد أثار حفيظة العرب السنة وخاصة دول الخليج. و بناء على ذلك، فلاشك بأن السعودية و قطر بتزعمهما المجلس الخليجي و الجامعة العربية للأطاحة بالنظام السوري، يهدف إلى إضعاف دور الشيعة و احتواء إيران في نفس الوقت.

في الوقت الحالي، و إلى جانب التجاذب الجيوستراتيجي بين الدول العربية، مست التغيرات التي شهدتها الدول العربية مباشرة القوى الإقليمية، و خاصة في ظل إشتداد الأزمتين السورية والإيرانية، حيث أحيت من جديد الخلافات المعقدة بين القوى التقليدية في الشرق الأوسط، المتمقلة في الدول العربية، إيران، تركيا، و إسرائيل. و في ذات الوقت أثرت على السياسة الدولية من خلال القضايا المتعلقة بالأمن النووي، و تأمين الطاقة. و حركت التجاذبات السياسية بين الدول الكبرى و حتى داخل بعض من هذه الدول الكبرى.

و من خلال النظر إلى بنية المنطقة، يمكننا أن نلاحظ أن مكانة العالم العربي ككتلة تتراجع بإستمرار، و نلاحظ أن المحيط الأمني لإسرائيل يتجه إلى مزيد من التعقد، كما تعيش إيران أزمة بقاء. بإستثناء تركيا، التي يزداد تأثيرها الإقليمي و الدولي بإستمرار. أما إسرائيل فلا تكاد تنقطع عن إصدار التهديدات بضرب إيران، بل أعلنت عن إمكانية قيامها بتحرك عسكري منفرد ضد إيران، و تهدف إسرائيل من خلال ذلك إلى الضغط على أمريكا و الغرب، و إستعمال قضية الأمن النووي لتحظى بإهتمام أكبر من أمريكا، و إعادة مكانتها الإستراتيجية التي بدأت في التراجع منذ إندلاع الثورات العربية.

و لمواجهة التهديد الأمريكي و الإسرائيلي، تواصل إيران إجراء مناوراتها العسكرية، و التهديد بغلق مضيق هرمز، و التباهي بإنجازاتها النووية، والتلويح بإتخاذ إجراءات إستباقية ضد الحظر النفطي الذي يريد الإتحاد الأوروبي فرضه عليها، الأمر الذي سيلهب أسعار الطاقة في العالم. في المقابل،يحاول الأمريكيون و الأوروبيون دفع حلفائهم اليابانيين والكوريين الجنوبيين إلى تخفيض وارداتهم النفطية من إيران، و في ذات الوقت، يحاولون الضغط على روسيا و الصين والهند و بقية الدول الناشئة، و هو ما سيدفع الدول الكبرى إلى تجاذبات على الطاقة السياسية. الأمر الذي سيمنح روسيا مزايا كبيرة و مكانة متصاعدة في مجال الطاقة السياسية الدولية. كما سيؤثر إرتفاع أسعار الطاقة على السياسة الداخلية للدول الأوروبية والأمريكية و عدة دول كبرى أخرى، و يرى الرأي العام الأمريكي أن إرتفاع أسعار الطاقة قد يؤدي إلى فشل أوباما في الفوز بولاية جديدة.

تعد تركيا المستفيد الأبرز من التغيرات الحاصلة في العالم العربي، و خاصة بعد الأزمتين اللييية و السورية. فبعد فشلها في الدخول إلى الإتحاد الأوروبي، عادت تركيا إلى الشرق الأوسط، في محاولة لنشر النموذج التركي، و أخذ مكانة ريادية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. لكن هناك من يرى بأن تاريخ حكم الإمبراطورية العثمانية للدول العربية، و الطابع العلماني للنموذج التركي، كفيلان بأن يوقظا الوعي القومي و الديني للعرب، و سيؤدي إلى ظهور موجات رافضة للأتراك. من جهة أخرى، إذا سقط النظام السوري و تصاعدت الحركة الكردية الإنفصالية، فإن ذلك سيكون له تأثير كبير على تركيا التي تضم ملايين الأكراد.

من خلال النظر إلى الخارطة الجيوسياسية الحالية للشرق الأوسط، فإن الأزمتين الإيرانية والسورية، إلى جانب إمكانية أن تفضيا إلى فوضى إقليمية عارمة في حال خروج الوضع عن السيطرة، ستسهمان أيضا في توتير الخلافات بين الدول الكبرى، و ستجعلان اللعبة السياسية بين الدول الكبرى أكثر تعقيدا. لذا فإنه من الصعب تحديد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة سواء من بين الدول الغربية الكبرى التي هيمنت على الشرق الأوسط وقتا طويلا و ارتكبت فيه فظاعات، أو من القوى الإقليمية الشرق أوسطية، طبعا و من الصعب أكثر القيام بإخراح جيد للمشهد التالي من الربيع العربي.

المصدر: موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان