نشر موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان تعليق مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية الأستاذ ليو تشونغ مين تحت عنوان: ((ماذا بعد وقف إطلاق النار في سوريا؟)) يوم الثلاثاء الموافق 10 إبريل عام 2012. فيما يلي النص الكامل للتعليق:
تعليق: ماذا بعد وقف إطلاق النار في سوريا؟
بعد استخدام الصين وروسيا لحق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار عربي - أوروبي بشأن سوريا يوم 4 فبراير هذا العام، لم يتحرك الوضع السوري ولا اللعبة الدولية المتمحورة حول الأزمة السورية ساكنا، بل بقيت ثابتة عند نقطة واحدة. ومنذ أن عينت الأمم المتحدة أمينها العام السابق كوفي انان موفدا خاصا لها وللجامعة العربية أواخر شهر مارس هذا العام، قام الأخير بسلسلة من المساعي الدبلوماسية الحميدة والتوسط بين الحكومة والمعارضة السورية ودول المنطقة والقوى العالمية، وأدلى بعزم مقترح يتضمن 6 نقاط لحل الأزمة السورية. وقد أعلنت الحكومة السورية مؤخرا عن موافقتها على اقتراح كوفي عنان،والتزامها بوقف إطلاق النار في 10ابريل الحالي.
لكن المؤكد هو أن قبول الحكومة السورية اقتراح كوفي عنان كان أكبر نتيجة الجهود التي بذلها المجتمع الدولي في الأشهر الأخيرة من اجل التوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، كما أن هذا التقدم هو نتيجة تأثير عوامل مختلفة.
أولا، استخدام الصين وروسيا لحق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار عربي – أوروبي في مجلس الأمن الدولي أعطى فرصة ووقت للتوصل إلى حل سياسي للازمة السورية، كما ساعدت الجهود الدبلوماسية التي قامت بها الصين وروسيا على تضييق الخلاف والتوصل الى تسوية سياسية للقضية السورية، وجسد توافق الآراء. وأظهرت الحقائق أن استخدام الصين لحق النقض أرسلت في مناسبات عدة " مبعوثا خاصا" إلى سوريا، وبلدان المنطقة فضلا عن القوى الغربية، واغتنام انعقاد قمة سول للأمن النووي وقمة منظمة البريكس للقيام بالاتصالات والمشاورات المتعددة الأطراف، هي مساهمة صينية فريدة من نوعها في خلق فرص للتوصل إلى الحل السياسي للقضية السورية.
ثانية، اضطرار القوى الغربية الكبرى إلى إحراز قدرا معينا من التسوية الدبلوماسية بشأن القضية السورية بسبب مجموعة اعتبارات واقعية متنوعة. في الوقت الراهن، وفي ظل الانتخابات الأمريكية والفرنسية التي تلوح في الأفق، والخروج من المشاكل الداخلية، الانقسامات المتزايدة بين المعارضة السورية،ارتفاع أسعار النفط الناجمة عن الأزمة النووية الإيرانية، والموقف الحازم للصين وروسيا في مجلس الأمن حول القضية السورية بموجه خاص، جعل من الصعب أن ينسخ الغرب " النمط الليبي " في سوريا،وأرغم الغرب على تقديم بعض التنازلات والامتيازات.
أخيراً، وقوف المواجهة بين الحكومة السورية والمعارضة أمام طريق مسدود، حيث أن الحكومة السورية من الصعب إبادة المعارضة بالكامل، كما يصعب على المعارضة الإطاحة بنظام بشار الأسد في غياب الدعم الخارجي، لكن الضغط القوي على الجانبين من قبل المجتمع الدولي يمكن الاستفادة من وقف إطلاق النار المؤقت. وبطبيعة الحال، فإن المكانة الدولية والخبرات الشخصية والدبلوماسية لكوفي عنان عامل هام جدا في التخفيف من الأزمة السورية.
نالت خطة كوفي عنان كل الرضى والترحيب من الجميع حاليا، لكن موافقة " الحكومة السورية" على اقتراح كوفي عنان لا يعني نهاية الأزمة بل لا يزال من الصعب ضمان التوصل إلى الحل النهائي للازمة السورية، ولا يزال تطور الوضع السوري لا يدعي للتفاؤل .
يتضمن مقترح عنان المتكون من6 نقاط أساسا على وقف إطلاق النار، ولا ينطوي على المشكلة الأساسية في الاتجاه السياسي لحل الأزمة. ويشمل اقتراح السلام الذي قدمه كوفي عنان للحكومة السورية على ما يلي:ـالتزام جميع الأطياف السياسية السورية بالتعاون مع المبعوث في عملية سياسية لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري وتهدئة مخاوفه. والالتزام بوقف إطلاق النار الفوري وفعال تحت إشراف الأمم المتحدة. ضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب لكل المناطق المتضررة من القتال وتنسيق التوقيت المحدد بساعتين يوميا لوقف القتال لتقديم المساعدات الإنسانية. الإفراج عن الأشخاص المحتجزين دون مبرر. السماح للصحفيين الدخول لسوريا وضمان حرية حركتهم في أنحاء البلاد. احترام حرية التجمع وحق التظاهر سلمياً. وحسب النقاط الست التي شملها المقترح لا يوجد نهج واضح وبرامج محددة للتنفيذ. والاهم الآن هو إذا ما كان مستقبل العملية السياسية في سوريا سوف يكون في إطار نظام بشار الأسد الحالي( بما يتفق مع الدستور الجديد الذي تم الاستفتاء عليه)، أم تحت فرضية سقوط نظام بشار الأسد الذي تطلبه المعارضة كشرط أساسي ينبغي توفيره. ومقترحات عنان لم تتناول نقاط ذات الصلة، في حين هذا ما يركز عليه نظام بشار الأسد والمعارضة.
إن الهدف الغربي في تقويض نظام بشار الأسد لم يتغير حتى الآن. ففي الوقت الذي تبذل فيه الصين وروسيا ومبعوث الأمم المتحدة الخاص كوفي عنان كل الجهود للتوصل إلى تسوية سياسية للقضية السورية، يقوم الغرب بدعم المعارضة السورية باعتبارها الهدف الرئيسي لمؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد مرتين. فمن الناحية الدبلوماسية، اعترف مؤتمر "أصدقاء سوريا" الثاني المنعقد بإسطنبول بـالمجلس الوطني السوري"ممثلا شرعيا" للسوريين، وتستمر بلدان غربية وخليجية أيضا في إغلاق سفاراتها في سوريا لممارسة الضغط الدبلوماسي على النظام السوري. ومن الناحية الاقتصادية والعسكرية، تستمر بعض الدول الغربية والعربية في تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية للمعارضة، وحتى أن هناك تغلغل عسكري إلى سوريا أيضا.لذلك، فإن تحقيق المصالحة الوطنية في سوريا والتوصل في نهاية المطاف إلى التسوية السياسية للازمة السورية يعتمد على تخلي الدول الغربية وغيرها من القوى الخارجية عن تقويض نظام بشار الأسد والضغط على المعارضة للموافقة على حل الوسط ومن خلال التفاوض بين طرفي النزاع فقط .
إن إمكانية مواصلة نظام بشار الأسد الحكم في ظل الظروف الحالية، يؤكد عدم التخلي عن النظام تلبية لمطالب المعارضة، في حين أن تزايد انقسام الوجهات السياسية في المعارضة يصعب تشكيل آراء سياسية موحدة التي تجعل من الصعب تشكيل نموذج حل سياسي يرضي جميع أطراف المعارضة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه نتيجة سنة من الصراع الدموي بين الحكومة والمعارضة في سوريا، وتعميق فجوة الصراع بين مختلف الجماعات الدينية والعرقية، وأساس الاجتماعي الهش جدا، جعل جهود المصالحة السياسية وحل النزاعات تبوء بالفشل.
إن تخفيف توتر الوضع المتأزم في سوريا لا يزال ضعيفا للغاية. حيث أن الموقع الجغرافي والسياسي السوري والذي جعلها جزءا الأكثر تعقيدا في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى احتمالات نشوب الحرب فيما تدهور الوضع جعل الوضع في سوريا يقف أمام طريق مسدود، لكن في ظل العملية السياسية الرامية إلى التوصل إلى تسوسيه للوضع، فإن هذه التعقيدات سوف تقيد العملية السياسية والمصالحة. لذلك، فإن الوضع السياسي السوري يقف أمام مفترق الطرق و لا يزال من الصعب توقع المستقبل .
المصدر: موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان