نشر موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان تعليق مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية الأستاذ ليو تشونغ مين تحت عنوان: ((المشترك والمختلف في التقلبات التي تشهدها الدول العربية)) يوم الخميس الموافق 22 مارس عام 2012. فيما يلي النص الكامل للتعليق:
تعليق: المشترك والمختلف في التقلبات التي تشهدها الدول العربية
تختلف وجهات نظر الأكاديميين والساسة في الصين و خارج الصين حول طبيعة التقلبات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، مثلا هناك "مقولة الثورة الديمقراطية"، "الإنتفاضة والتمرد"، "الأزمة السياسية"، "الحركات الإجتماعية" وغيرها من المسميات. وإجمالا يميل الأكاديميون الغربيون والعرب إلى "مقولة الثورة الديمقراطية". عندما كانت التقلبات الشرق أوسطية في حدود تونس ومصر فقط، كانت مقولتي "الثورة الديمقراطية" و"الثورة القومية الديمقراطية" تحظيان بإجماع في الأوساط الأكاديمية الصينية، لكن بعد اندلاع الحرب الليبية، ثم تأزم الأوضاع في اليمن و البحرين و وسوريا، رأت غالبية الناس أن طبيعة التقلبات التي يشهدها الشرق الأوسط مازالت في حاجة إلى مزيد من المراقبة.
اذا نظرنا من الزاوية التاريخية، فسنجد أن التقلبات التي كان يشهدها الشرق الأوسط، كانت دائما في شكل عواصف من التحركات الإجتماعية والسياسية التي تلف كامل العالم العربي. و تعد التقلبات الإجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم العربي في الوقت الحالي ثالث هذه العواصف التي شهدها العالم العربي بعد الحركة القومية العربية في خمسينات وستنينات القرن العشرين وحركات النهضة الإسلامية في سبعينات وثمانينات القرن العشرين. هذه التقلبات التي يشهدها العالم العربي لديها خصائص مشتركة، كما لديها خصائص مختلفة واضحة أيضا.
الخصائص المشتركة
أولا، التحركات الجماهيرية من أجل الإطاحة بالأنظمة القائمة: رغم اختلاف حجم الحركات الجماهيرية العربية واختلاف الوسائل والأساليب التي اعتمدتها إلا أن الهدف الوحيد من هذه التحركات الجماهيرية هو الإطاحة بالإنظمة القائمة. وفي ظل هذه الموجات الإجتماعية، شهدت الأنظمة الجمهورية والملكية صدمات بدرجات متفاوتة، وقد أدت هذه الصدمات للإطاحة بعدد من الأنظمة.
ثانيا، تحسين مستوى معيشة الشعب وتأسيس الديمقراطية، هما المطلبان الرئيسيان لهذه التحركات الجماهيرية: على المستوى الإجتماعي والاقتصادي، عكست الحركات الجماهيرية المطالبة بتحسين مستوى المعيشة حالة تذمر جماهيري شديدة من نسب البطالة وارتفاع نسبة التضخم وتوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء والفساد ،إلخ. وعلى المستوى السياسي، عكست مطالبة الحركات الجماهيرية بالديمقراطية، مشاعر السخط الكبيرة ضد الأنظمة السياسية المتحجرة، والإستبداد، و سياسة الشيوخ، وهيمنة الأسر الحاكمة.
ثالثا، احداث ذات طابع اقليمي وعابر للدول:لأن الدول العربية تعاني من نفس المشاكل السياسية والإقتصادية والإجتماعية، و لها نفس اللغة و الدين، لذا انتشرت هذه التحركات الجماهيرية الثورية في كامل المنطقة العربية.
رابعا، افتقاد التحركات الجماهيرية للقيادة المستقلة والمفاهيم السياسية: كانت الطبقتان الوسطى والفقيرة المحرك الأساسي للموجات الإحتجاجية، لكنها افتقدت للتنظيم الموحد عبر القيادات والمفاهيم السياسية والأهداف والشعارات والبرامج. وهناك تعليق حول هذا الأمر يقول مايلي: "المفاهيم هي أكثر الأشياء التائهة في الثورات العربية"، "لم تطرح الثورة في أي ظرف من الظروف شعارات سياسية موحدة. في حين كان المطلب الوحيد الذي اتفق عليه الثوار هو تغيير القائدة الطاعنين في السن، أما في بقية المسائل، فليس هناك بوادر لتوحيد الأهداف والمطالب."
خامسا، الحركات الإحتجاجية التي قادها الشباب، لم تملك وعي سياسي ناضج: الشباب الذي يمثل 60 % من سكان الدول العربية، كان القوة الرئيسية التي حركت التغيرات التي شهدتها المنطقة العربية، لكن هذه القوة كان ينقصها الوعي السياسي الناضج و القيادة. "شباب غوغل لا يزال في وضع الجهل السياسي. ورغم أن الشباب العربي قد كان له دورا كبيرا في إشعال الإنتفاضة العربية، إلا أنه لايمكن أن نثق به. .....فهم تقريبا لم يستعدوا لتأسيس حزب سياسي أو لتحمل المسؤولية."
سادسا، الإعلام الجديد مثل الإنترنت والهواتف المحمولة، لعبت دورا مساعدا هاما: لعبت وسائل الإعلام الحديثة مثل الإنترنت والهواتف المحمولة والتويتر دورا هاما في نقل المعلومة والتحركات الإجتماعية. وهذا النوع من الثورة ماكانت لينجح لو لم يستخدم الإنترنت، لأن الإنترنت كانت قادرة على تجميع الجماهير في وقت قياسي. لكن " دور الإنترنت يبقى ثانويا في الثورات العربية إذا ما قارناه بدور التراكم طويل المدى للمشاكل السياسية والإقتصادية والإجتماعية في العالم العربي."
مظاهر الإختلاف
أولا، من الواضح أن درجة و نتائج الإحتجاج في الدول الجمهورية بشمال إفريقيا كانت أعلى من نظيرتها في الدول الخليجية الملكية: تركزت الإضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط أساسا في الدول الجمهورية في شمال إفريقيا و غرب آسيا. واذا رجعنا إلى التاريخ فسنجد أن هذه الدول قد اكتسبت تقاليد ثورية خلال صراعها مع الإستعمار ومقاومتها للإمبريالية. وإذا نظرنا من الجانب السياسي، فإن معظم الإنظمة في هذه الدول قد أسسها العسكريون، حيث تميز نظام الحكم فيها بسياسة الرجل القوي أو السياسة العسكرية والعديد من خصائص نموذج السياسة التسلطية، الأمر الذي أسهم في تحجر خطير داخل المنظومة السياسية لهذه الدول. اما من الجانب الإجتماعي، فإن وجود طبقة وسطى عريضة في كل تونس ومصر، إلى جانب المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية قد ساهم في خلق ظروف مواتية لإحداث التغيير الإجتماعي.
أما بالنسبة للدول الخليجية ذات الأنظمة الملكية، فإن مشاعر التذمر وعدم الرضا موجهة أساسا إلى النظام الملكي الذي يجمع بين هيمنة العائلات الحاكمة والطوائف الدينية. لكن، نظرا للثروات النفطية التي تتمتع بها دول الخليج، فإن الظروف المعاشية لشعوب دول الخليج أفضل من شعوب دول شمال إفريقيا، و نظرا للعراقة النسبية لتقاليد الأنظمة الملكية في العائلات الحاكمة والمعايير المزدوجة التي تعتمدها أمريكا والدول الغربية، فإن الضغوط التي تتعرض لها هذه الأنظمة أقل من الضغوط التي تواجهها الأنظمة الجمهورية.
ثانيا، إختلاف حجم وشكل الأزمات التي سببتها الإحتجاجات الإجتماعية من بلد إلى آخر. حيث يمكن أن نقسمها إلى ثلاثة أصناف حسب درجة الحدة وإختلاف عوامل التأثير.
الصنف الأول، إضطرابات سياسية واجتماعية بسبب المظاهرات الشعبية السلمية: رغم أن الموجات الإحتجاجية في كل من تونس و مصر قد تسببت في مستوى معين من الفوضى، لكن نظرا لـ "نضج المجتمع المدني والطبقة الوسطى " في هذين البلدين، فإن قوة الوحدة الوطنية تمكنت من منع وقوع الدولة في حرب أهلية أو إنفصالية أثناء عملية التحول السياسي."
الصنف الثاني، تحول الإحتجاجات الإجتماعية إلى صراعات قبلية، أوصلت البلاد إلى حرب أهلية واستدعت التدخل الاجنبي: الخلافات القبلية المعقدة داخل ليبيا، جعلت أسس الإجماع الوطني والوحدة الوطنية هشة، وجعلت من السهل أن ينزلق الوضع إلى صدامات قبلية و طائفية، وحتى إلى الحرب الأهلية. وهذه الخاصية تنطبق على الحالة السورية أيضا.
الصنف الثالث، تداخل الإحتجاجات الإجتماعية مع الصدامات الطائفية، وتغلغل النفوذ الخارجي الذي خلق توازن قوى معقد: كانت الطائفة الشيعية التي تمثل أكثرية سكان البحرين، المحرك الأساسي للإحتجاجات في البحرين. وهدفها الأساسي هو إسقاط حكم السنة، وفي خلفية الإحتجاجات نجد صراع ايديولوجي وجيوسياسي بين كل من السعودية وإيران. أما أمريكا فإنطلاقا من حساباتها الشخصية، اعتمدت معايير مزدوجة وسمحت للسعودية بأن تقود مجلس التعاون الخليجي للتدخل في البحرين.
ثالثا، اختلاف أساليب ومستويات التدخل الأجنبي: كان التدخل الغربي أهم عامل خارجي أثر على إتجاه الأزمات السياسية في الدول العربية، وانطلاقا من الحسابات الجيوإستراتيجية والمصالح الوطنية الأمريكية والأوروبية، اتخذ الغرب سياسة براغماتية و انتهازية مثالية في التدخل في شؤون الدول العربية، واعتمد معايير خاصة بكل دولة على حدى. حيث يمكن تقسيم هذه المعايير إلى ثلاثة أصناف.
التدخل العسكري: ويبرز خاصة في التدخل العسكري بقيادة فرنسا وبريطانيا وأمريكا بناء على القرار الأممي رقم 1973، والإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي. وبعد فشل مجلس الأمن في إستصدار قرار يقضي بالتدخل في سوريا في 4 أكتوبر 2011 و4 فبراير 2012، أصبحت مسألة التدخل الأمريكي الأوروبي في سوريا خارج اطار الأمم المتحدة أكثر النقاط الساخنة في الشرق الأوسط.
الضغوط الدبلوماسية: بالنسبة لمصر وبقية الدول الأخرى التي شهدت إنتقالا سلميا، قام الأمريكيون والأوروبيون من جهة بإبداء مساندتهم للجماهير من خلال الرأي العام، ومن جهة أخرى مارست الدول الغربية ضغوطا دبلوماسية على نظام مبارك.أما بالنسبة لليبيا، فقد قام الغرب بضغوط دبلوماسية أكبر على نظام القذافي، وخاصة بعد الإعتراف بالمجلس الإنتقالي، وتمكينه من فضاء دبلوماسي لنشاطاته المضادة للحكومة. وبالنسبة لسوريا، وبعد فشل الدول الغربية في الحصول على قرار من مجلس الأمن يتيح لهم التدخل، اعتمد الغرب أساسا على جامعة الدول العربية وتركيا و المعارضة السورية لممارسة الضغوط على الحكومة السورية و إرغامها على التنحي.
الحماية الدبلوماسية: وتبرز أساسا في سياسة أمريكا تجاه البحرين والسعودية و بقية الدول الخليجية. ورغم أن الغرب يطالب من خلال الرأي العام الدبلوماسي هذه الدول بأن تتأقلم مع تيار التغيرات السياسية، وتكثف جهود الإصلاح، لكن في الحقيقة سمح الغرب وتسامح مع القمع الشديد الذي مارسته الدول الخليجية على الحركات الإحتجاجية، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو احتواء إيران وضمان الأمن الطاقي والقواعد العسكرية واستمرار التعاون في مقاومة الإرهاب، إلى جانب العديد من حسابات المصالح الواقعية الأخرى.
المصدر: موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان