ليو تشونغ مين: الدول العربية التي تغيرت لن تشهد أسلمة شاملة
مرة: 2012-07-23 وجهات النظر: 49
 

نشر موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان تعليق مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية الأستاذ ليو تشونغ مين تحت عنوان: ((الدول العربية التي تغيرت لن تشهد أسلمة شاملة)) يوم الاثنين الموافق 23 يوليو عام 2012. فيما يلي النص الكامل للتعليق:

مقالة خاصة: الدول العربية التي تغيرت لن تشهد أسلمة شاملة

بعد مرحلة تغيير السلطة التي تمت عبر أشكال مختلفة، دخلت الدول العربية الأربع تونس، مصر، ليبيا واليمن في مرحلة إنتقالية لإعادة البناء السياسي؛ في ذات الوقت تجري الدول العربية الأخرى التي لم تشهد تغيرا للسلطة إصلاحات بمستويات متفاوتة. خلال هذه المرحلة، كان صعود القوى الإسلامية العلامة الأبرز في المشهد السياسي العربي.

في حين هناك خشية كبرى لدى المجتمع الدولي وخاصة الرأي العام الغربي من النكوص التاريخي الذي أحدثته الأسلمة في الدول العربية التي شهدت تغيرات. حيث تتجسد الخشية الغربية في 3 نقاط هامة: أولا، ان الإسلام قد اختطف "الربيع العربي " وحوله إلى "شتاء إسلامي"، ما سيعطل تقدم عملية الدمقرطة والعلمنة في الشرق الأوسط. ثانيا، ان مصر ودول عربية أخرى ستتخذ سياسات مناهضة للغرب واسرائيل. ثالثا، ان تنامي الأصولية الإسلامية سيحفز الإرهاب، وبذلك تهديد الأمن الدولي.

لكن، في رأي صاحب القلم، من الممكن تفهم المخاوف سالفة الذكر، بيد أن ظاهرة صعود القوى الإسلامية لا تغير من ذاتية التغيرات العربية التي سعت إلى التغيير والتنمية والطبيعة العصرية للدول العربية في السعي إلى النهضة القومية، علاوة على ذلك، فإن الدول العربية التي شهدت تغيرات لا يمكن أن تشهد أسلمة شاملة، حيث سيتجه التطور السياسي في الدول الإسلامية الشرق أوسطية صوب التأثر المتبادل بين العلمنة والأسلمة، ولن يكون مجرد أسلمة فقط.

إذ منذ بداية الإنتقال التدريجي لتيارات الفكر السياسي الغربي على غرار العلمانية والقومية إلى العالم الإسلامي خلال العصر الحديث، لم تتوقف خيوط الصراع بين تيار العلمنة المحاكية للغرب وتيار الإسلامة المتمسك بالموروث، في سبيل تحقيق ثراء الأمة ونهضة الدين. وخلال الفترة التي سبقت وتلت الحرب العالمية الثانية، شهدت الدول الإسلامية الشرق أوسطية نشوء 3 نماذج رئيسية.

1 الدولة العلمانية المطلقة، ممثلة في تركيا.

2 دولة تكون الأولوية فيها للعلمانية، مع ضمان مكانة الإسلام؛ ممثلة في مصر والجزائر ودول أخرى.

3 دولة دينية، ممثلة في المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج.

طبعا، هناك نموذج آخر إستثنائي بعض الشيء يوجد في إيران، لكن النموذج الإيراني ليس لديه سوق في الدول العربية التي تغيرت.

عند التامل في بنية الشرق الأوسط من خلال النماذج الثلاث سالفة الذكر، يظهر الإشكال أساسا في النموذج الثاني، فالدول التي شهدت تغييرا متتاليا للسلطة؛ تونس، مصر، ليبيا، هم أساسا ينتمون إلى هذا النموذج. وفي الوقت الحالي يشهد حزب الحرية والعدالة المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، وحزب النهضة الإسلامية التونسي وحزب العدالة والتنمية المغربي صعودا مستمرا، وخاصة بعد فوز مرسي في إنتخابات الرئاسة المصرية، بدا الأمر وكأن القوى الإسلامية قد حققت نهضة شاملة خلال عملية التحول السياسي. لكن، هذه الظاهرة في حاجة إلى نتعامل معها بجدلية.

أولا، ان صعود القوى الإسلامية على علاقة متينة بإعتدالها وعلمانيتها. فمنذ وقت طويل لم يكتف الإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة الإسلامية في تونس بإجراء إصلاح كامل لمبدأ الجمع بين السياسة والدين واديولوجيا العنف والصراع، ثم الإندماج الإيجابي في العلمانية والديمقراطية والحداثة وغيرها من متطلبات العصر فقط، بل تخلوا عن نهج العنف والصراع وسلكوا طريق المشاركة السياسية والوصول للسلطة عبر إنتخابات قانونية. لذلك، عند النظر من زاوية أخرى، فإن الوجه الآخر لأسلمة الشرق الأوسط هو في الحقيقة علمنة القوى الإسلامية. حيث ستبقى العلمنة والأسلمة بمثابة المحورين اللذين يرتكز عليهما المشهد السياسي في الشرق الاوسط، وما سيحدث هو الإنتقال من وضع التنافر والتناظر والصراع إلى التقاطع والإندماج.

ثانيا، الجيش الذي يميل أكثر إلى العلمنة سيظل يشكل قوة لجم وكبح كبيرة للقوى الإسلامية. والرئيس مرسي بصدد تذوق هذه المرارة التي يفرزها المجلس العسكري في الوقت الحالي، ورغم أنه أعلن عن إعادة البرلمان الذي حله المجلس العسكري، إلا أنه في النهاية سيتنازل لأن "الذراع لاتقدر على لي الفخذ"، ولأن مرسي لايأمل أن يرى مآل تدخل الجيش التركي في السياسة، ولا مأساة تصفية "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الجزائر على يد الجيش. لذلك، لا أحد يعرف إن كان بإمكان مرسي والمجلس العسكري التلائم مع بعض ثم الدخول إلى المسار الصحيح.

ثالثا، العلاقة بين القوى الإسلامية والغرب هي أيضا ليست محكومة إما بالتعاون أو الصدام. ولو أخذنا الحالة المصرية مثلا، رغم أن القوى الإسلامية في الإجمال ستحافظ على مسافة معينة بينها وبين الغرب مقارنة بمبارك، لكن لايمكنها الدخول في مناهضة مطلقة للغرب. وقد أشار مرسي في برنامجه الإنتخابي إلى أنه سيحافظ على علاقات جيدة مع أمريكا وأوروبا، وإلا فإن وزيرة الخارجية الأمريكية لن تتعب نفسها للسفر الى مصرولقاء الرئيس مرسي بعد جولتها في آسيا الباسيفيك.

حتى وإن كان في الظاهر يبدو بأن القوى الإسلامية هي التي ستقود الدول العربية بعد التغيير، لكن هناك من يشكك في ذلك. وهذا يتجلى في الفشل الشامل الذي منيت به القوى الإسلامية في الإنتخابات البرلمانية الليبية، حيث لم تتمكن من مواصلة النتائج الجيدة التي حققها الإخوان المسلمين.

من جهة أخرى، لا تعد القوى الإسلامية قالبا واحدا متماسكا، حيث توجد خلافات بين جماعة الإخوان المسلمين وباقي القوى الإسلامية العصرية في الدول العربية التي شهدت تغيرات مع الحركات السلفية، زد على ذلك التوغل الخليجي في هذه الحركات، وهذا يجعل الخلافات بين القوى الإسلامية أكثر تعقيدا. لذا، إذا نظرنا على المدى الطويل، فإن طريق تطور القوى الإسلامية العصرية والتقليدية والصراع على قيادة المنطقة، من الممكن أن يصبح أحد الخيوط الأساسية الأخرى للصراع في الشرق الأوسط.

المصدر: موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان