نشر موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان تعليق مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية الأستاذ ليو تشونغ مين تحت عنوان: ((لنعرف جيدا موقع الصين في الشرق الأوسط)) يوم الجمعة الموافق 31 مايو عام 2013. فيما يلي النص الكامل للتعليق:
لنعرف جيدا موقع الصين في الشرق الأوسط
على امتداد السنوات الأخيرة، ظل الباحثون الصينيون والأجانب يدعون إلى ضرورة قيام الصين بتوضيح إستراتيجيتها في الشرق الأوسط، ونشر وثائق حكومية كتلك المتعلقة بسياسات الصين في إفريقيا، أو سياسات الصين في أمريكيا اللاتينية. في بداية شهر مايو الحالي، وفي ظل تواصل تهميش النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بسبب التقلبات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، قامت الصين بإستضافة الرئيسين الفلسطيني والإسرائيلي في فترة متزامنة، وهو ما أثار موجة من التأويلات داخل الرأي العام، ومن بين نقاط الإهتمام، تسائل البعض عن إذا ماكان ذلك يعني بأن الصين ستتخذ إستراتيجية أكثر إيجابية تجاه منطقة الشرق الأوسط. أما داخل الصين، فقد أثار بروز الشرق الأوسط من جديد داخل الإستراتيجية الدولية للصين إهتمام الكثيرين. هذا الإهتمام تمحور خاصة حول ما إذا كانت الصين في حاجة إلى تحديد وإصدار إستراتيجية قصيرة أو طويلة المدى في منطقة الشرق الأوسط.
الصين ينقصها قوة التأثير في الشرق الاوسط
يرى كاتب هذه السطور بأن الصين ليست في حاجة للتجاوب مع الرأي العام وإصدار إستراتيجيتها الخاصة بالشرق الأوسط، بل يجب أن تتمسك بسياستها الإنسيابية وفقا لتغير الظروف. وهناك 3 أسباب أساسية لذلك:
أولا، تتميز منطقة الشرق الأوسط بطبيعتها الجيوسياسية المتشظية، وهوما يُصعب على الصين مهمة تشكيل إستراتيجية شرق أوسطية شاملة. وإذا نظرنا من زاوية المناطق، نجد منطقة الخليج، منطقة شرق المتوسط (الهلال الخصيب)، ومنطقة المغرب العربي بشمال إفريقيا، وغيرها من المناطق الجيوسياسية. حيث تشكل الإختلافات الدينية والعرقية المعقدة والتشابك بين الصراع على زعامة المنطقة والنزاعات الحدودية فسيفساء جيوسياسية. وهذا ما يجعل الدول الأجنبية غير قادرة على استعمال سياسة شاملة في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، ولعل هذا هو أهم عامل وراء الفشل المتكرر للإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ثانيا: تتحرك السياسة في الشرق الأوسط بوتيرة أشد من المناطق الأخرى. وقد شهدت المنطقة قضايا ساخنة بصفة مستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي صعب على الدول الأخرى تحديد إستراتيجية مستقرة ومستدامة نسبيا في الشرق الأوسط.
أخيرا، لا تزال الصين تنقصها القوتين الصلبة والناعمة الكافيتين للتأثير في شؤون منطقة الشرق الأوسط، وهي الآن في مرحلة تحسس قضايا المنطقة. حيث لاشك بأن عملية التحول من التخلي التام عن شؤون الشرق الأوسط في الماضي إلى التدخل البناء في الوقت الحالي، ثم الوصول إلى دبلوماسية ناضجة في الشرق الأوسط خلال المستقبل، ستتم عبر مراحل تاريخية صعبة وطويلة.
إن وجهات النظر التي طرحتها سلفا، لا تعني بأنني أنصح بتقاعس الصين عن شؤون الشرق الأوسط، بل أريد من خلالها التأكيد على أن التدخل في شؤون الشرق الأوسط يجب أن يتبع المرحلية والتدرج وليس التسرع والمغامرة. حيث لاشك بأن التعرف الجيد على أوضاع الشرق الأوسط وأوضاع الصين يعد مفتاح الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط، ومن بين التفاصيل نجد: أولا، فكريا كيف يمكن أن نتعرف ونقيم بطريقة صحيحة التسلسل الهرمي لشؤون الشرق الأوسط، ومن ثم نقيم البيئة الدولية والإقليمية للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط. ثانيا، نظريا كيف نقيم التسلسل الهرمي للمصالح الإستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط، ومن ثم تحديد أهداف الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط.
تقييم البيئة الدبلوماسية في الشرق الأوسط
أولا، على مستوى النظام الدولي
الصين في حاجة إلى التعرف على العلاقات المعقدة بين تغيرات النظام الدولي وشؤون الشرق الأوسط. فعلى مستوى سلطة النظام الدولي، أدى تراجع السلطة الأمريكية والغربية إلى تزايد إنتظارات المجتمع الدولي ومنطقة الشرق الأوسط تجاه الصين، ويكمن التحدي الأكبر الذي تواجهه الصين في زيادة قدرتها على توفير السلع العامة لمنطقة الشرق الأوسط، إلى جانب القيام بمعالجة مناسبة لعلاقات التعاون والتنافس بين القوى الغربية التقليدية والدول الناشئة في شؤون الشرق الأوسط.
أما بالنظر من هيكل إدارة النظام الدولي، نلاحظ بأن الإدارة الدولية لقضايا السلام والتنمية في الشرق الأوسط أصبحت تتضح أكثر فأكثر. فمن جهة أولى، لايمكن التقليل من شأن التأثير العميق للديمقراطية الغربية على "الربيع العربي"، من جهة ثانية توفر إستراتيجية "النظر شرقا" لدول الشرق الأوسط فرصة كبيرة للصين. لكن على الصين أن تعرف جيدا أن تأثير تجربة وأفكار التنمية الصينية على دول الشرق الأوسط لايزال محدودا. وهنا يمكن القول أن تعزيز التبادل حول أفكار وسياسات إدارة الدولة مع دول الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية التي تشهد تحولا ودعم القوة الصينية الناعمة في الشرق الأوسط، يعد قضية هامة يجب أن تهتم بها الصين على المدى الطويل.
ثانيا، على مستوى النظام الإقليمي
في الوقت الحالي، توجد 4 قضايا شرق أوسطية ذات طابع إقليمي: أولا، قضايا تحويل التنمية في دول الشرق الأوسط، إلى جانب تزايد تفاقم الخلافات بين الدين والعلمانية، الديمقراطية ومعيشة الشعب، الإصلاح والإستقرار، إلخ. ثانيا، الأزمة السورية، قضية النووي الإيراني، النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، قضية السودان وجنوب السودان وغيرها من النقاط الساخنة الجديدة والقديمة التي تتداخل بإستمرار مع المصالح الخارجية. ثالثا، تفاقم ظاهرة الإنقسام في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في الدول العربية، حيث تغرق الدول العربية الواقعة غربا وتصعد الدول العربية الواقعة شرقا، فيما تهيمن دول الخليج على المنطقة، وهو ما يؤدي إلى خلل خطير في التوازن بالمنطقة. رابعا، الأحزاب السياسية الدينية، المنظمات الدينية، الإستقطاب الطائفي، التطرف الديني وغيرها من الأدوار المتداخلة بين القوى الإسلامية، ما يشكل وضعا معقدا في منطقة الشرق الأوسط.
على المستوى الإقليمي، كيف يمكن تعزيز العلاقات بين الصين والدول العربية التي تشهد تغيرات، وخاصة تعزيز قدرات البناء الإجتماعي في هذه الدول: كيف يمكن عرض الأفكار الدبلوماسية الصينية تجاه النقاط الساخنة، ومعالجة العلاقة بين التدخل البناء والتمسك بمبادئ عدم التدخل في السياسة الداخلية: كيف يمكن التعرف على مختلف القوى الدينية، وخاصة تغيرات وإتجاه تطور الإحزاب السياسية ذات الخلفية الإسلامية، وإيجاد الطريقة الملائمة للتواصل معها، هذه الأسئلة وغيرها هي المشاكل والتحديات الجديدة التي تواجهها الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط.
أخيرا، على المستوى الأحادي.
يمكن القول أن المشاكل التي لاتزال تواجهها الصين في الشرق الأوسط هي 4 مشاكل أساسية: مشاكل الدول القومية، العرب، الأتراك، الإسرائيليون والإيرانيون، وكل ما يترتب عن التداخل بين هذه العناصر خاصة في ظل التغيرات الحاصلة في الوقت الحالي. ما يجعل الصين في مواجهة تحدي التوازن الملائم. وفي ظل الإنقسام العربي الذي قد يمتد فترة مستقبلية، كيف يمكن المحافظة على العلاقات متعددة الأطراف والعلاقات الثنائية بين الصين والعرب. كيف يمكن تغيير سوء الفهم الذي تكون لدى الدول العربية تجاه الصين نتيجة لإستعمال الصين 3 مرات حق النقض حيال القضية السورية. وكيف يمكن إيجاد توازن بين المشاركة في العقوبات المسلطة على إيران في إطار الأمم المتحدة وبين تطوير العلاقات الطبيعية مع إيران. هذه المسائل تعد تحديات تواجه الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط.
تحديد المصالح الصينية في الشرق الأوسط
من بين القضايا الهامة الأخرى التي يجب أن تحددها الدبلوماسية الصنية بوضوح، هي تحديد المصالح الصينية في دول الشرق الأوسط. لأن المصالح الصينية في دول الشرق الأوسط لا تزال مصالح مفصلة جدا، وليس مثل أمريكا التي تسعى إلى إمتلاك حق التوجيه والتحكم في شؤون الشرق الأوسط.
أولا، مصالح السيادة. قضايا الإنفصال المتعلقة بتايوان، التبت وشينجيانغ، وقضايا النزاع على الحدود وحقوق الملاحة بين الصين والدول المجاورة، وهنا تعد منطقة الشرق الأوسط ولاسيما الدول العربية منطقة إستراتيجية هامة لايمكن تجاهلها بالنسبة للصين في حشد الدعم الدولي.
ثانيا، المصالح الأمنية. منذ بدء الإضطرابات في غرب آسيا وشمال إفريقيا، شهد الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط موجة صعود جديدة، وإلى جانب التهديد المباشر والكامن لمصالح الصين في غرب آسيا وشمال إفريقيا، من الممكن أيضا أن يهدد إستقرار المناطق الحدودية الصينية من خلال تسرب "قوى التطرف الثلاثة". لذا، فإن تعزيز التعاون الأمني مع دول الشرق الأوسط، يعد في صالح أمن المصالح الصينية في الخارج، والأمن الداخلي طويل المدى.
ثالثا، مصالح التنمية. على المستوى الإستراتيجي، نجد أساسا مشاكل فترة الفرص الإستراتيجية، وعلى مستوى التفاصيل، تعد إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط على علاقة مباشرة ببناء الطبقة الوسطى في الصين نظرا لأهمية العامل الطاقي في هذا الجانب، في ذات الوقت تشمل هذه المصالح التجارة وعقود الإنشاء والعمالة، وغيرها من المصالح الإقتصادية.
أخيرا، الصورة الدولية. تاريخيا، كانت دول الشرق الأوسط، لاسيما دول العربية صديقة تقليدية للصين، حيث تحظى الصين بسمعة دولية وصورة جيدة في الدول العربية. لكن في ذات الوقت ، وبالمقارنة مع الماضي، لا يمكن إنكار ظاهرة التزايد المستمر للعوامل السلبية المؤثرة على صورة الصين وسمعتها الدولية. وهنا، يعد إتخاذ التدابير الفعالة لصناعة صورة الدولة الكبرى المسؤولة، والصورة الجيدة للمؤسسات التي تخدم المجتمعات المحلية والصورة الأخلاقية للفرد، مهام كبيرة يجب مطروحة أمام الدولة، المؤسسة والفرد.
المصدر: موقع صحيفة الشعب اليومية أونلان